روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال : بينما أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم خارجين من المسجد ، فلقينا رجلا عند سدة المسجد ، فقال : يا رسول الله ، متى الساعة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما أعددت لها ؟ )) قال فكأن الرجل استكان . ثم قال : يا رسول الله : ما أعددت لها كبير صلاة ولا صيام ولا صدقة ، ولكني أحب الله ورسوله. قال: ( فأنت مع من أحببت)!!..
وفي رواية أنس:فما فرحنا بعد الإسلام فرحا أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم:فإنك مع من أحببت.
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال :فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر ،فأرجو أن أكون معهم ، وإن لم أعمل بأعمالهم..
قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ عن المحبة : ( المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون ، وإليها شخص العاملون، وإلى علمها شمر المتسابقون ، وعليها تفاني المحبون ، وبروح نسيمها تروح العابدون ، وهي قوت القلوب ، وغذاء الأرواح ، وقرة العيون وهي الحياة التي من حرمها فهو في جملة الأموات ، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يفز بها، فعيشه كله هموم وآلام، تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة ..)
قال صاحب المدارج :(الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها، وهي عشرة :
1- قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد منه .
2- التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض ، فإنها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة .
3- دوام ذكره على كل حال : باللسان والقلب والعمل والحال ، فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من الذكر .
4- إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى والتسنم إلى محابه وان صعب المرتقى .
5- مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها .
6- مشاهدة بره وإحسانه وآلائه ، ونعمه الظاهرة والباطنة.
7- انكسار القلب بين يدي الله تعالى.
8- الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة ..
9- مجالسة المحبين والصادقين والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر ، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام وعلمت أن فيه مزيدا لحالك ومنفعة لغيرك.
10- مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل).
عذابه فيك عذب...وبعده فيك قرب
وأنت عندي كروحي....بل أنت منها أحب
حسبي من الحب أني...لما تحب أحب.
ولله در ابن الرومي الشاعر الرباني حين قال) :حياك الله أيها الحب المضني..يا طبيب علتي وسقمي،
يا طبيبي النطاسي يا مداوي الآسي...إن الحب ليحول التراب تبرا ، والكدر صفاء ، والألم شفاء ، والسجن روضة ، والقهر رحمة ، وهو الذي يلين الحديد ،ويذيب الحجر ، وينفخ في الميت الحياة... ).
أي أخي الحبيب...أختي الفاضلة:
لقد فقدنا هذه العاطفة الجياشة ،والمحبة الصادقة..فتحولت علاقاتنا الأخوية إلى نسيج خشبي وهيكل عظمي لا روح فيه ولا حياة..بل تغلبت لغة التنظيم والإدارة والحزبية والأرقام على البساطة والفطرية..إنه في كثير من الأحيان ابتعد العمل الإسلامي عن فطريته التي كان عليها في عصر النبوة:
- فالأخلاقيات فيها نقص.
- والحياة الروحية ضعيفة.
- وكثيرا ما تظهر منافسات ومماحكات وخصومات وانقسامات..
- وكثيرا ما يضيع القرار في غمرة الظواهر المرضية.
- وكثيرا ما يكون هناك فارق بين الشعار والواقع.
- وكثيرا ما يفتقد السمت النبوي على أصحاب الدعوة ،ويظهر السمت الغريب.
-و كثيرا ما يغيب التزاور والكرم والمجالسة في الله...ويتغلب الجانب المادي ومعادلات السوق الاقتصادية.
فالدعوة إلى الله حب وأخلاق وذوق وروحانية وعاطفة جياشة صادقة وتزاور وبذل وتضحية وعطاء ووفاء. وفي الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى شيئا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى . وفيهما عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا , وشبك بين أصابعه .
وتذكر وصية الإمام الشهيد:تعرف إلى من تلقاه من إخوانك ،وإن لم يطلب إليك ذلك،فإن اساس دعوتنا
الحب.