إن الدعاة إلى الله ، إذا لم يجمعوا بين عمق العلم ولباقة التصرف وسلامة التحرك ، وقبل ذلك ومعه وبعده صحة التجرد ونبل المقصد وسمو الغاية ، فإن فشلهم محقق لا محالة .
وسلامة السير تكون نتيجة للفهم السليم للدعوة ، بمبادئها وأصولها وثوابتها وأهدافها وغاياتها ، وكذلك للواقع بطبيعته ومكوناته ومؤثراته وإفرازاته ، فضغط الواقع ينبغي أن لا يسوق الدعاة إلى الحلول الخاطئة والخيارات القاصرة ، فمهما طال انتظار الحلول الصحيحة الدائمة والخيارات العميقة المدروسة ، فإنه هو الصواب، وطول الزمن وتسارع الأحداث ، لا يفقدان الحق أحقيته، وقصر الزمن وضغط الأحداث، لا يمنحان الخطأ صفة الصواب ، ولا القصور صفة الحكمة.
لذلك كانت نعمة الفهم السليم مع حسن القصد من أعظم نعم الله على العبد ، كما قال ابن القيم رحمه الله :( صحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده ، بل ما أعطي عبدٌ عطاء بعد الإسلام أفضل ولا أجلّ منهما ، بل هما ساقا الإسلام ، وقيامه عليهما ، وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم ، وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم ، ويصير من المنعم عليهم الذين حسنت أفهامهم وقصودهم ، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة ، وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد ، يميز به بين الصحيح والفاسد ، والحق والباطل ، والهدى والضلال ، والغي والرشاد ، ويمدّه حسن القصد وتحرّي الحق وتقوى الرب في السر والعلانية ، ويقطع مادته إتباع الهوى وإيثار الدنيا وطلب محمدة الخلق وترك التقوى)..(1)
كما أن سوء الفهم أصل كل بلية ، يقول ابن القيم كذلك :( سوء الفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام ، بل هو أصل كل خطأ في الأصول و الفروع ، ولا سيما إن أضيف إليه سوء القصد).(2)
لأجل ذلك كلّه جعل الإمام البنا رحمه الله ركن الفهم أول أركان البيعة قبل الإخلاص والعمل وغيرهما من الأركان.
فالتحرك السليم نتاج الفهم السليم ، والتحرك الخاطئ نتاج الفهم الخاطئ ، وقد ترفض في كثير من الأحيان أفكار سليمة ومواقف حكيمة ، بسبب الفهم الخاطئ والسقيم لها ، كما قال الشاعر:
وكم من عائب قولا سليما وآفته من الفهم السقيم